مطر رعى العشاء الخيري الثاني للحكمة: من غير المقبول أن يقع على كاهل العائلات ما لا يستطيعوا أن يحملوه

رعى رئيس أساقفة بيروت للموارنة ولي الحكمة المطران بولس مطر، العشاء الخيري الثاني، الذي دعا إليه رئيس مدرسة الحكمة مار مارون في جديدة المتن الخوري أنطونيو واكيم، وشارك فيه النائب غسان مخيبر والرئيس الأول لمحاكم إستئناف جبل لبنان القاضي نسيب إيليا والعميد شامل روكز وممثلو هيئات حزبية وبلدية واجتماعية ورؤساء جامعات ومدارس وأصدقاء للمدرسة.

بعد النشيد الوطني الذي عزفته جوقة الجمعية اللبنانية لنشر الموسيقى الأوركسترالية "Lebam"، ونشيد المدرسة، وكلمة تعريف لكريستل ملكي، ألقى الخوري واكيم كلمة رحب فيها بضيوف المدرسة ومحبيها، وقال: "قال لي يوما أب لأربعة أولاد، أبي لم يورثني شيئا في الحياة، لا بيتا ولا قطعة أرض أبني عليها. وها إني أعيش بالإيجار... جاهدت بنفسي وتحملت المشقات لأحصل جزءا من علمي وأصل إلى أدنى المطلوب لأعيش وأؤسس عائلة تعيش بكرامة. واليوم، أقول لأولادي ليس لي ما أورثكم إياه في هذه الحياة إلا العلم. فكل ما أتعب من أجله، ليس لمسكن أو لأرض، بل لشهادات تحملونها؛ تخولكم مواجهة تحديات الحياة بإيمان وثبات. وتؤهلكم لتحقيق أسمى طموحاتكم، غير متحسرين على ماض ولا قلقين على مستقبل".

أضاف: "إننا، في السنة الثانية بعد الخمسين للمدرسة، نتطلع نحو أبناء الحكمة الحاليين، وكلنا أمل بأنهم سيكونون خميرة المجتمع في زمن دقيق يضع تحصيلهم العلمي ومستقبلهم على المحك بين كفي الحقيقة والضلال. أملنا بهم إيمانهم بخالقهم يتكلون عليه ويجاهدون لبلوغ أقصى درجات النجاح. فلحظة فرحهم بالنجاح كفيلة بمحو سني التعب والشقاء، وبرؤية عيني الأهل تلمع بدموع الفرح والأمل الجديد.
وها أولى نتائج الإمتحانات الرسمية تطل علينا بدرجات الجيد والجيد جدا، وما أكثرها هذه السنة. وكم ابتهجت نفسي وأنا أهنئهم عبر صفحاتهم الفيسبوكية مساء أمس، عندما رد علي أحدهم بالقول: "هيدا كلو بفضلكن".

وتابع: "يؤثرون البقاء حتى آخر النهار، ليستفيدوا من كل ما نؤمنه لهم من مقومات لنموهم الفكري والجسدي؛ إن بتوفير البيئة الهادئة والحاضنة لينهوا واجباتهم المدرسية بعد الظهر، أو بتوفير السبل التي تجعل بنيتهم سليمة فيسلم معها العقل، أو بالألعاب الرياضية أو بالفنون الأدبية والمسرحية وما شابهها من أمور تصب كلها في صنع تلميذ قدير ليكون قائدا جديرا...
وما الكؤوس والشهادات وميداليات الدرجات الأولى والثانية التي حصدوها خلال هذه السنة في مجالات رياضية وفكرية وفنية مختلفة على صعيد المدارس، مناطقيا ووطنيا، إلا خير شاهد على ما نشهد".

وقال واكيم: "إن ما يحتاج إليه تلامذتنا من وسائل وتجهيزات تربوية تبقى حاجة دائمة وأساسية توفرها لهم المدرسة الى جانب جهازها البشري لضمان علم راسخ ومعرفة مستدامة.
وهذه الحاجات، لا يمكن أن تتحقق بالكامل في ظل الميزان المالي الدقيق الذي نحاول فيه التوفيق بين الملح والضروري.
فالمساعدات المدرسية لتلامذتنا التي لامست لهذه السنة الأربعمئة وخمسين مليون ليرة لبنانية، قابلها تنفيذ مشاريع تربوية مكلفة قاربت القيمة ذاتها".

وختم: "هنري روسو، أحد مبدعي جمع التبرعات، يقول: "إن مناسبة جمع التبرعات هي فن لطيف لتعلم فرح العطاء". فيا من تساهمون بطريقة أو بأخرى عبر حضوركم الغالي ومشاركتكم الكريمة، إنكم تحققون آمال من يصبون الى استلام زمام الوطن ومقدراته من بعدكم، وأحلامهم".


مطر
وألقى المطران مطر كلمة جاء فيها: "صرفت من عمري، إلى الآن 52 عاما، مديرا ورئيسا ومطرانا للحكمة. هذا أكثر من كاف لأحب الحكمة وأحبها من كل قلبي، لأنها تحب. مشروع الحكمة إبتدأ منذ 142 سنة، مع المطران يوسف الدبس الذي غرسها أرزة شامخة في بيروت، وجعل لها خصائص، أرادها، كما قال في كتابه "لخير الأمصار الشرقية". أرادها ملتقى للمسيحيين والمسلمين من كل لبنان وسوريا والأردن. أراد أن يضع في ذلك أسسا للبنان الحديث، لبنان التلاقي والمحبة. وأضاف على الفكر اللبناني، القائم على التوازنات بين الطوائف، موقفا أساسيا جوهريا، هو محبة الآخر وليس فقط قبوله. تعلم تلامذة الحكمة أن يحبوا بعضهم بعضا، مسيحيين ومسلمين منذ 142 سنة، فكانوا نواة للوطن. والتقى في الحكمة، أيضا، من كل الطبقات، الغنية والميسورة والمعسورة، فكانوا إخوة متضامنين، أينما كانوا يساعدون بعضهم بعضا، ويعملون من أجل لبنان. إنطلقوا بتعلم اللغة العربية وآدابها وشعرها، حتى قيل يوما، تمسح بجدار الحكمة، فتصير شاعرا. وانفتحوا على أوروبا والآن على الغرب كله عبر مدارسنا الفرانكوفونية والإنغلوفونية، لكأنهم يريدون أن يمثلوا حقيقة لبنان، بكل جوهره ووجوده".

أضاف: "نشكر الله على الحكمات واليوم على الحكمة جديدة المتن، التي أسسها المطران خليل أبي نادر، رجل الوحدة الوطنية بامتياز، رحمة الله عليه. كان يقول لا شرقية ولا غربية، مشى بعكس التيار، حتى أعطاه الجميع حقا وأعطوه حقه. كان الباني الأول والمؤسس للحكمة في جديدة المتن. رؤساء مروا وطبعوا المدرسة بطابعهم، أذكر منهم المونسنيور كميل مبارك الحاضر معنا في هذه الأمسية الفارحة، بكل محبة، الذي أعطى الحكمة من قلبه وقلمه ومحبته. والآن في الخمسين سنة الجديدة، مع الأب أنطونيو واكيم، وكأنه ينطلق بالمدرسة إنطلاقة ثانية بعد إنطلاقتها الأولى. نتمنى له كل التوفيق. وأقول له: نعم ما تفعل يا "أبونا" أنطونيو، عندما تذكر حاجات مدرستك، ولا تقول حاجات المدرسة، بل تقول، لنساعد أبناءنا وتلامذتنا وعائلاتنا في تعليم أولادهم. هذا هو بيت القصيد".

وختم مطر: "نحن في لبنان، ونتمنى مع فخامة الرئيس العماد ميشال عون، أن نطلق ثورة مدرسية، تسمح للناس أن يعلموا أولادهم، من دون أن يحملوا الأمور بصعوباتها كلها. الجنرال ديغول، اعتبر المدرسة الخاصة ذات منفعة عامة، وقرر أن يسدد رواتب المعلمين في كل المدارس الخاصة في فرنسا. فانخفض قسط المدرسة 70 في المئة، وهذا التخفيض حل مشكلة المدارس الخاصة في فرنسا. عندنا في لبنان، الشعب يدفع الضرائب للتعليم، لتعليم كل اللبنانيين وهذا شرف، ثم يدفع ضريبة خاصة لتعليم أولاده، يدفع مرتين. وهذا حرام. من غير المقبول أن يقع على كاهل العائلات ما لا يستطيعوا أن يحملوه. يجب أن يتغير هذا النظام وأن لا يحرم تلميذ من علمه لسبب مادي. إلى أن نصل إلى ذلك الحد، فإننا نساعد بعضنا بعضا، حتى لا يبقى تلميذ خارج إطار التعلم والتقدم والرقي".